تعريف المعتلين عقلياً وأسبابهم

من هم المعتلُّون عقلياً؟

المعتلون عقلياً هم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية تؤثر بشكل كبير على تفكيرهم وسلوكهم. يشمل هذا المصطلح مجموعة متنوعة من الحالات المرضية التي تؤثر على الإدراك، المشاعر، الذاكرة، القدرة على اتخاذ القرارات، وكذلك القدرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين. من المهم أن نفهم أن الشخص المعتل عقلياً لا يختصر في تصرفات غريبة أو سلوك غير طبيعي فقط، بل يمكن أن يشمل مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية التي تتفاوت في شدتها وطرق علاجها. في هذا المقال، سنتناول تعريف المعتلين عقلياً، أنماط الاضطرابات النفسية، الأسباب التي قد تؤدي إلى هذه الاضطرابات، وتحديات المعالجة والعلاج.

تعريف المعتل عقلياً

المعتل عقلياً هو الشخص الذي يعاني من اضطراب عقلي يؤثر في قدراته الإدراكية والنفسية. هذه الاضطرابات قد تكون متعلقة بالتفكير أو الذاكرة أو المشاعر أو السلوك، مما يؤدي إلى مشاكل في الأداء اليومي. المعايير التشخيصية لهذا المرض تختلف حسب السياق الثقافي والنفسي، ولكن وفقاً للتصنيفات المعترف بها عالمياً مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، فإن الاضطرابات العقلية تُصنف في عدة فئات تشمل الاضطرابات النفسية المزمنة، اضطرابات المزاج، الاضطرابات العقلية الخطيرة مثل الفصام، والاضطرابات العصبية التنموية مثل التوحد.

أنواع الاضطرابات النفسية والعقلية

هناك العديد من الأنواع المختلفة من الاضطرابات النفسية التي قد يعاني منها الأشخاص المعتلون عقلياً، ولكل منها خصائصه وأعراضه الخاصة. من بين هذه الاضطرابات:

1. الاضطرابات النفسية المزمنة

تشمل الاضطرابات مثل الفصام، والاضطراب الوجداني ثنائي القطب، ومرض الاكتئاب الحاد. هذه الاضطرابات تؤثر بشكل عميق على الحياة اليومية للشخص، وتؤدي إلى اضطرابات في التفكير، وتغيرات حادة في المزاج.

• الفصام: من أكثر الأمراض النفسية شهرة في فئة الاضطرابات العقلية الخطيرة، يتميز الفصام بوجود أعراض مثل الهلاوس السمعية والبصرية، والتفكير المشوش، وفقدان الاتصال بالواقع. يعيش المصابون بهذا المرض في عالم خاص بهم قد يختلف تماماً عن واقع الآخرين.

• الاضطراب الوجداني ثنائي القطب: يُعرف أيضاً بمرض الهوس الاكتئابي، حيث يعاني الشخص من فترات متناوبة من الهوس (حالة من النشاط الزائد والشعور بالقوة) والاكتئاب الحاد.

2. اضطرابات القلق

تتسم اضطرابات القلق بالشعور المستمر بالمخاوف والتوتر. يتسبب القلق المفرط في شلل الحياة اليومية، مما يمنع الشخص من التفاعل الاجتماعي بشكل طبيعي، بل ويؤثر في قدرتهم على إنجاز المهام اليومية. من أبرز هذه الاضطرابات:

• اضطراب القلق العام: يتميز هذا النوع بالقلق المستمر وغير المبرر.

• الرهاب الاجتماعي: هو الخوف المبالغ فيه من المواقف الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين.

3. الاضطرابات الشخصية

تشمل هذه الاضطرابات مجموعة من الأنماط الثابتة من السلوكيات التي تظهر في مرحلة مبكرة من الحياة، وتستمر في مراحل متقدمة. يتمثل جزء من الأعراض في السلوكيات المتضاربة مع الواقع الاجتماعي، مثل:

• الاضطراب الشخصي النرجسي: حيث يميل الشخص المصاب إلى التفاخر المفرط والشعور بالعظمة.

• الاضطراب الشخصي الحدّي: وهو عبارة عن حالة من التقلبات المزاجية الحادة والشعور الشديد بالهشاشة النفسية.

4. اضطرابات الطعام

تشمل اضطرابات الطعام مثل الأنوركسيا والبيوليميا، وهي حالات نفسية تؤدي إلى اضطرابات في النظام الغذائي بسبب تأثيرات عقلية. يعاني المصابون من خوف مفرط من زيادة الوزن، مما يدفعهم إلى الإفراط في ممارسة الرياضة أو الحد من تناول الطعام بشكل مفرط.

أسباب الاضطرابات النفسية والعقلية

الاضطرابات النفسية والعقلية يمكن أن تنشأ نتيجة لمجموعة من العوامل الوراثية، البيئية، أو النفسية. ومع أن كل حالة تختلف عن الأخرى، إلا أن هناك بعض الأسباب المشتركة التي قد تساهم في تطور هذه الاضطرابات:

1. العوامل الوراثية

تلعب العوامل الوراثية دوراً كبيراً في تطور العديد من الاضطرابات النفسية. فقد أظهرت الأبحاث أن وجود تاريخ عائلي للاضطرابات العقلية يزيد من احتمالية إصابة الفرد بنفس الاضطرابات. على سبيل المثال، الفصام والاضطراب الوجداني ثنائي القطب لهما ارتباط وثيق بالعوامل الوراثية.

2. العوامل البيئية

العوامل البيئية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاضطرابات النفسية. تشمل هذه العوامل الظروف المعيشية الصعبة، مثل الفقر أو التعرض للضغوط النفسية في مراحل مبكرة من الحياة. كما يمكن أن تساهم التجارب المؤلمة أو الصدمات النفسية (مثل الإساءات الجسدية أو العاطفية) في حدوث الاضطرابات.

3. العوامل الكيميائية والفيزيولوجية

قد يكون للأسباب الكيميائية في الدماغ تأثير كبير على حدوث الاضطرابات العقلية. على سبيل المثال، يتسبب اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ في حدوث اضطرابات مزاجية مثل الاكتئاب. كما أن مشاكل في بعض أجزاء الدماغ قد تؤدي إلى حدوث أمراض عقلية مثل الفصام.

4. العوامل النفسية

التجارب النفسية المتكررة، مثل الشعور بالوحدة أو فقدان شخص عزيز، قد تؤدي إلى اضطرابات عقلية. التدخلات النفسية المتأخرة أو ضعف الدعم الاجتماعي قد تزيد من خطر تفاقم الاضطراب العقلي.

تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية والعقلية

تشخيص الاضطرابات النفسية والعقلية يتطلب مزيجاً من التاريخ الطبي والنفسي للمريض، بالإضافة إلى التقييمات النفسية التي قد تشمل اختبارات نفسية وتصوير الدماغ في بعض الحالات. يعتمد العلاج على نوع الاضطراب وشدة حالته، ويمكن أن يتضمن العلاج النفسي، الأدوية، أو مزيجاً من الاثنين. من بين أساليب العلاج المعروفة:

1. العلاج النفسي (التحليل النفسي)

يشمل العلاج النفسي التحدث مع مختص، حيث يتم استخدام أساليب مثل العلاج السلوكي المعرفي لتغيير أنماط التفكير السلبية وتطوير استراتيجيات مواجهة جديدة.

2. العلاج الدوائي

قد يوصي الأطباء بالعلاج الدوائي لعلاج الاضطرابات العقلية الشديدة، مثل مضادات الاكتئاب أو الأدوية المضادة للذهان. هذه الأدوية تساعد في موازنة المواد الكيميائية في الدماغ التي تؤثر على التفكير والمزاج.

3. التدخلات الاجتماعية

تعتمد بعض البرامج العلاجية على إشراك أفراد العائلة والمجتمع لدعم المصاب. قد يكون ذلك من خلال مجموعات الدعم أو البرامج التي تهدف إلى تعليمهم كيفية التعامل مع الأشخاص المعتلين عقلياً.

4. العلاج بالتدريب المعرفي

يعتمد على تقنيات تدريب الدماغ لتحسين القدرة على اتخاذ القرارات وحل المشكلات، وهو أحد أساليب العلاج المفيدة في حالات الاضطرابات العقلية الخفيفة.

التحديات في معالجة الاضطرابات النفسية والعقلية

تتمثل التحديات الرئيسية في معالجة الاضطرابات النفسية والعقلية في وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بها. كثيراً ما يُنظر إلى المصابين بهذه الاضطرابات على أنهم مختلفون أو غير طبيعيين، مما يعيق تقدمهم نحو التعافي. علاوة على ذلك، قد يواجه المصابون صعوبة في الوصول إلى العلاج المناسب بسبب نقص الموارد أو العلاج غير الفعّال.

الخاتمة

المعتلون عقلياً هم أولئك الأشخاص الذين يعانون من مجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية والعقلية التي تؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية. على الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المصابون بهذه الاضطرابات، فإن العلاج المبكر والمتكامل يمكن أن يساعد في تحسين نوعية حياتهم. يجب أن تظل المجتمعات أكثر وعيًا وتفهمًا لهذه الاضطرابات، وكذلك ضرورة توفير الدعم والرعاية الكافية للمصابين في جميع مراحل علاجهم.